تحدثنا في المقال السابق عن الخطوات العشر لعملية تصميم ناجحة، وذكرنا أن الثلاث خطوات الأخيرة تطلب مزيد من التفصيل لما لها من أهمية وتأثير بالغين على عمليتي التصميم والتصنيع.
وإذا تأملنا في هذه العشر مراحل سنجد أنها تخضع بشكل أساسي لمتغيرات العصر والتطور التقني الذي نشهده، فمثلاً مهندس التصميم الميكانيكي سنة 2021 سيُطبق نفس الخطوات العشر الذي كان يطبقها مهندس التصميم الميكانيكي سنة 1960 مع الفارق الشاسع في التكنولجيا المستخدمة في تطبيق العشر الخطوات.
ولفهم الموضوع أكثر دعنا نتأمل في المرحلة التاسعة وهي التصنيع manufacturing سنجد اختلافاً كبيراً بين عمليات التصنيع سنة 1960 وعمليات التصنيع سنة 2021 من حيث طرق التصنيع و التكنولوجيات الصناعية المستخدمة وبنفس الكيفية المرحلة العاشرة وهي life cycle maintenance , هل تكنولجيات الصيانة سنة 1960 هي نفسها سنة 2021؟!
بإجابتك على السؤال السابق ستتضح لك أهمية دراسة التكنولوجيات الحديثة للوصول لتصميم ميكانيكي مميز يحقق العلاقة بين التكلفة والمزايا بالشكل المناسب لكل مجال صناعي.
بالنظر في الخطوات العشر المذكورة سلفاً سنجد أن الخطوات الست الأولى منها تتميز بالثبات النسبي على مر الزمن أما الأربع الأخيرة فتطور تطور دائم مع تطور التقنيات الحديثة.
لذا سنستعرض في هذا المقال أهم ملامح التطور الصناعي في عصرنا الحالي وكيف يمكننا الاستفادة منه في عملية التصميم الميكانيكي تمهيداً لفهم الأربع مراحل الأخيرة والربط بينها وبين واقع عملية التصميم الحالي.
تمهيد:
شهدت أوروبا الغربية خلال القرن الثامن عشر نهضة علمية شاملة فتنوعت الأبحاث والتجارب لتشمل مختلف فروع العلم ولتؤدي إلى اختراعات واكتشافات مهمة كانت السبب الرئيسي في قيام الثورة الصناعية خلال القرن التاسع عشر من عمليات التصنيع الكيميائي الجديدة وإنتاج الحديد، وازدياد استخدام الطاقة البخارية والمائية وتطويرأدوات الآلات وظهور المصانع الميكانيكية. أدت الثورة الصناعية أيضًا إلى ارتفاع غير مسبوق في معدل النمو السكاني، وكذلك كان لها الأثر البالغ على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية سواء في أوروبا أو خارجها.
كانت المنسوجات هي الصناعة المهيمنة في الثورة الصناعية من حيث العمالة وقيمة الإنتاج ورأس المال المستثمر. فكانت صناعة النسيج أول صناعة يٌستخدم فيها طرق الإنتاج الحديثة.
أول استخدام مثبت لمصطلح “الثورة الصناعية” كان في رسالة بتاريخ 6 يوليو 1799 كتبها المبعوث الفرنسي لويس غيوم أوتو، معلناً أن فرنسا قد دخلت في سباق التصنيع.
مرت مراحل التطور الصناعي بمراحل عديدة إلى أن وصلنا للوضع الحالي ( الثورة الصناعية الرابعة )
الثورة الصناعية الأولى:
بدأت الثورة الصناعية الأولى في أواخر القرن الثامن عشر، عندما تم اختراع عملية التصنيع الميكانيكي عن طريق المياه والبخار.
الثورة الصناعية الثانية:
بدأت الثورة الصناعية الثانية في بداية القرن العشرين، عندما تم اتباع عملية التصنيع الشامل باستخدام الكهرباء ومحركات الاحتراق لتزويد الآلات بالطاقة. وقد تم في ذاك الوقت تقديم
خطوط التجميع لأول مرة، وأصبح استخدام مواد وكيماويات جديدة ممكناً، والتواصل أصبح أسهل.
الثورة الصناعية الثالثة:
تم في السبعينيات تقديم عمليات الأتمتة والروبوتات ، مما قاد إلى دخول حقبة جديدة اسمها الثورة الصناعية الثالثة. حيثّ تشكل الإلكترونيات، وتكنولوجيا المعلومات، والحواسيب،
والرجال الآليين، والإنترنت بداية عصر المعلومات الجديد.
الثورة الصناعية الرابعة:
نجد أنفسنا في الوقت الحالي في بداية الثورة الصناعية الرابعة. وبالاعتماد على أنظمة الإنتاج الإلكتروني الملموس التي تهدف إلى ربط عالمي الإنتاج المادي والافتراضي، فإن الثورة الصناعية الرابعة/ العمليات الرقمية تجمع بين عمليات التحويل الرقمي وتكامل سلاسل القيمة والمنتجات و/ أو الخدمات. إلى جانب ذلك، فإن تكنولوجيا المعلومات، والآلات، والإنسان مرتبطين معاً ويتفاعلون في الوقت الحقيقي، مما يؤدي إلى خلق طريقة تصنيع مخصصة، ومرنة، مع كفاءة في استخدام الموارد وهو ما يعادل المصنع الذكي الذي يستعين بإنترنت الأشياء في العمل. وعليه، يشكل تحليل البيانات المتكامل والتعاون محركات القيمة الأساسية للثورة الصناعية الرابعة.
أهم ملامح الثورة الصناعية الرابعة:
يشهد العالم طفرة هائلة في العديد من المجالات هذه الطفرة أثرت تأثير مباشر على مجال التصميم الميكانيكي والعمليات الصناعية الأخرى بل إن كل خطوة من الخطوات العشر لعملية التصميم الميكانيكي أصبحت تعتمد بشكل أو بآخر على مجالات الثورة الصناعية الرابعة مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد والذكاء الاصطناعي.
انطلاق عصر جديد من التصميم الميكانيكي:
في عصر الثورة الصناعية الرابعة أصبحت برامج التصميم الميكانيكي ضرورة لايمكن الاستغناء عنها بالنسبة لمهندس التصميم الميكانيكي, فهي لم تعد أداة يستخدمها المهندس لإنشاء التصميم فقط بل أصبحت منصات متكاملة يمكنك تحديد بعض المواصفات لها وتقوم هي بتخليق التصميم الذي يلبي المواصفات التي قام المهندس بتحديدها وهذه ما يسمى أحياناً ب Generative Design .
من الشركات الرائدة في هذا المجال شركة أتوديسك و يظهر هذا بوضوح في برنامج Fusion 360 والذي أعتقد شخصياً أن هذا البرنامج سيكون له جزأ كبير من السوق في المستقبل القريب لما يتميز به من تقنيات مفيدة وبسيطة في نفس الوقت, سنتحدث عنها بالتفصيل- إن شاء الله – في مقالات أخرى.
*للمزيد من المعلومات حول هذه النقطة يرجى مطالعة المرجع رقم 3
من أبرز ملامح الصورة الصناعية الحالية فيما يتعلق بمجال التصميم هي تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، وهي تقنية ظهرت في أواخر القرن العشرين ولكنها ظلت رهينة التطور التكنولوجي إلى أن حدثت تلك الطفرة في مجال الإلكترونيات فبدأنا نرى الطابعات ثلاثية الأبعاد بأسعار تناسب المستهلك العادي.
الطباعة ثلاثية الأبعاد تمثل أداة مهمة من أدوات المرحلة السابعة من مراحل التصميم (Prototype and Testing) فأصبح من السهل عمل نماذج أولية من التصميم واختبارها ورؤية تأثير العوامل المختلفة عليها بمجهود وسعر أقل بكثير من الطرق التقليدية.
*للمزيد من المعلومات حول هذه النقطة يرجى مطالعة المرجع رقم 4
خاتمة:
تعرضنا في المقال لبعض الأمور التي يجب إدراكها قبل أن نتعمق ف فهم الثلاث مراحل الأخيرة من عملية التصميم الميكانيكي, والآن أصبحنا على وشك أن نكون جاهزين- بفضل الله – لننتعمق في أول مرحلة من المراحل الثلاث (Prototype and Testing) لكن مازال هناك موضوع لابد من الحديث عنه أولاً وهو اعتبارات التصميم الميكانيكي وهو موضوع المقال القادم بإذن الله (Design Considerations).
المراجع:
- Horn, Jeff; Rosenband, Leonard; Smith, Merritt (2010). Reconceptualizing the Industrial.
2.Global Manufacturing and Industrialisation Summit (GMIS).
4. 3D printing The birth of a new industrial revolution by Hood Lipsen and Melba Kerman, Copyright © 2013 by John Wiley & Sons